اغتيال هنية وتصعيد إسرائيل- نحو حرب إقليمية شاملة؟

المؤلف: محمود علوش10.17.2025
اغتيال هنية وتصعيد إسرائيل- نحو حرب إقليمية شاملة؟

عملية اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية، في قلب طهران، وما سبقها بساعات من تصفية فؤاد شكر، أحد القادة البارزين في حزب الله، إثر غارة إسرائيلية استهدفت الضاحية الجنوبية لبيروت، تُبرز ثلاثة استنتاجات جوهرية. تتضافر هذه الاستنتاجات لتعزز الاعتقاد الراسخ بأن حرب السابع من أكتوبر لا تزال بعيدة المنال عن أي نهاية وشيكة، أو حتى استقرار على مستوى منخفض من المخاطر على الصعيد الإقليمي.

  • الاستنتاج الأول: أن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، قد ازداد جرأة في مساعيه لتصعيد وتيرة الحرب بعد زيارته الأخيرة للولايات المتحدة. في المقابل، أصبحت إدارة الرئيس جو بايدن أضعف في ممارسة نفوذها اللازم لكبح جماح التصعيد، أو أنها أصبحت أكثر إذعانًا لألاعيب نتنياهو التي تهدف إلى إطالة أمد هذه الحرب لأطول فترة ممكنة، وتأجيج نار المخاطر الإقليمية المترتبة عليها. وبغض النظر عن التفسير، فإن اللحظة الأمريكية الراهنة، المثقلة بالتحضيرات للانتخابات الرئاسية، تمثل فرصة سانحة لنتنياهو كي يحاول تغيير مسار الحرب لصالحه.
  • الاستنتاج الثاني: أن انخراط إسرائيل المعلن في الجهود الدبلوماسية المتجددة للتوصل إلى اتفاق مع حركة حماس لوقف إطلاق النار في غزة، وموافقتها الظاهرية على المقترح الذي قدمه الرئيس جو بايدن، لم يكن سوى مناورة جديدة من مناورات نتنياهو المتعددة في هذه الحرب، هدفها خداع المجتمع الدولي وتضليله. وحقيقة أن هنية كان يمثل قوة دافعة حقيقية لإبرام صفقة لِتبادل الأسرى والرهائن وإنهاء الحرب، تشير بوضوح إلى أن أحد الأهداف الرئيسية وراء اغتياله هو تقويض الفرص المتاحة للتوصل إلى مثل هذه الصفقة في المستقبل القريب.

هناك دافع جلي يفسر تهرب نتنياهو من تلبية استحقاق الصفقة في الوقت الراهن، وهو أن شركاءه الأكثر تطرفًا في الحكومة الائتلافية يرفضون بشدة أن تنتهي هذه الحرب دون أن تحقق فيها إسرائيل نصرًا ساحقًا وواضحًا. لكن هذا الدافع ليس هو الوحيد. فنتنياهو يراهن بقوة على عودة الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، إلى سدة الحكم في البيت الأبيض في شهر نوفمبر القادم. ويعتقد جازمًا أن مثل هذه العودة ستطلق العنان لإسرائيل وتمنحها الضوء الأخضر لإنجاز ما عجزت عن تحقيقه خلال فترة حكم إدارة بايدن.

  • أما الاستنتاج الثالث والأخير: فهو أن اللعب الإسرائيلي الخطير على حافة الهاوية في المواجهة المفتوحة مع إيران وحلفائها في المنطقة، قد يدفع المنطقة بأسرها إلى أتون حرب إقليمية شاملة، بصرف النظر عن الرغبة المعلنة من قبل إسرائيل وإيران والولايات المتحدة في تجنب مثل هذا السيناريو الكارثي. إن قواعد الردع والاشتباك، التي أدارت المسار الإقليمي لحرب السابع من أكتوبر، وحالت حتى يومنا هذا دون خروجها عن نطاق السيطرة، لم تعد قائمة بعد عملية اغتيال هنية في طهران، والضربة الإسرائيلية الموجعة على الضاحية الجنوبية لبيروت. وسيكون الرد الإيراني المنتظر على هاتين العمليتين، سواء بشكل مباشر أو عبر الوكلاء والحلفاء أو بكلتا الطريقتين معًا، حاسمًا في تحديد مسار الحرب في المرحلة القادمة.

لكن الاختبار العصيب، الذي يواجه طهران وحلفاءها الإقليميين، يتمثل في صياغة وتنفيذ رد قوي على عمليات الاغتيال يستطيع أن يوازن بدقة بين إعادة ترميم قواعد الردع والاشتباك مع إسرائيل، وفي الوقت نفسه، تفادي الانزلاق نحو حرب إقليمية مدمرة. إن اغتيال هنية على الأراضي الإيرانية يشكل ضربة موجعة لإيران، ليس فقط على صعيد الانكشاف الأمني الداخلي الخطير الذي كشفته العملية، بل أيضًا على صعيد تصدع مفهوم الردع الجديد الذي سعت طهران جاهدة لتكريسه في صراعها مع إسرائيل منذ الهجوم الصاروخي الإيراني المباشر عليها في شهر أبريل الماضي.

قد يساعد اغتيال هنية، بالإضافة إلى القائد البارز فؤاد شكر في حزب الله، نتنياهو في تسويق صورته داخليًا، وإعادة توحيد الإسرائيليين حول قيادته في هذه الحرب، وإظهار أن إدارته للعمليات العسكرية تحقق نتائج ملموسة وقوية. كما قد يستخدم هذه العمليات خارجيًا لإرسال رسائل ردع قوية إلى إيران وحلفائها في المنطقة، لكنه بالتأكيد لن ينجح في إخراج إسرائيل من المأزق الاستراتيجي العميق الذي تواجهه في حرب السابع من أكتوبر.

لا تزال إسرائيل عاجزة تمامًا عن تحقيق الأهداف الرئيسية للحرب التي أعلنتها في قطاع غزة، سواء فيما يتعلق باستعادة المحتجزين بالقوة، أو القضاء على زعيم حركة حماس في غزة، يحيى السنوار.

ومن غير الوارد على الإطلاق أن يؤدي اغتيال هنية بأي شكل من الأشكال إلى إحداث أي زعزعة في القيادة داخل حركة حماس. كما أن الاستقطاب الداخلي الإسرائيلي الحاد حول إدارة نتنياهو للحرب لن ينتهي بمجرد اغتيال قادة بارزين في حماس، واستعراض القوة المبالغ فيه تجاه إيران وحلفائها.

علاوة على ذلك، سيبقى حزب الله يشكل معضلة استراتيجية أخرى تواجه إسرائيل في سعيها لاستعادة الأمن والاستقرار على جبهتها الشمالية. وحتى في الوقت الذي تبدي فيه إيران وحزب الله حذرًا شديدًا لتجنب الانزلاق إلى مواجهة أوسع نطاقًا، فإن جبهات الإسناد الإقليمية للمقاومة الفلسطينية ستظل تعمل كعنصر ضغط كبير ومستمر على السياسة الإسرائيلية والأمريكية في هذه الحرب.

لقد أصبح مستقبل منطقة الشرق الأوسط اليوم، أكثر من أي وقت مضى، رهنًا بمغامرات نتنياهو غير المحسوبة، والتي لا تستمد قوتها الدافعة من نزعة الغطرسة الإسرائيلية فحسب، بل أيضًا من الدعم غير المحدود الذي تقدمه الولايات المتحدة والدول الغربية لهذه النزعة، ومن المسار المحفوف بالمخاطر الذي يسلكه الصراع الإسرائيلي الإيراني المتصاعد بعد اغتيال هنية وشكر.

إن التكاليف الباهظة المحتملة، التي عملت في السابق كرادع قوي لمنع نشوب حرب إقليمية واسعة النطاق، لم تعد تعني بالضرورة أن هذه الحرب لن تقع، كما أنها لا تعني أنها أصبحت حتمية الوقوع. ومع ذلك، قد تكون عمليات الاغتيال الأخيرة مجرد بداية للسيناريو الأكثر خطورة في حرب السابع من أكتوبر.

لا يزال العامل الأميركي يمثل أحد العوامل الحاسمة في منع تأجيج نار الاضطرابات الإقليمية المتصاعدة. إن دبلوماسية القنوات الخلفية، التي اتبعتها واشنطن مع طهران في الأشهر الماضية لإدارة سلسلة الأفعال وردود الأفعال بين إسرائيل وإيران، ستخضع مرة أخرى لاختبار حقيقي لتقييم مدى فعاليتها في خفض حدة المخاطر ومنع التصعيد.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة